تقديم
تولي المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة عناية خاصة للطفل. باعتبار أن
حسن إعداد الطفل؛ وتربيته التربية الصالحة؛ هما خير وسيلة لتحقيق التقدم والرقي
والنماء والازدهار في الحاضر والمستقبل. وانطلاقاً من الاقتناع بهذه الحقيقة التي تؤكدها
عبرةٌ التاريخ وتجربة الواقع؛ فقد أفردت المنظمة الإسلامية للأطفال في خطط عملها
المتتابعة؛ برامج عديدة تهدف إلى تطوير معارفهم؛ وإلى تنمية مواهبهم في رحاب الثقافة
الإسلامية. كما أنها اعتنت بإعداد الدراسات والبحوث المتعلقة بالطفل؛ من حيث التعريف
حسن تربيته والعناية به.
ويتناول هذا الكتاب الأطفال المهمشون: قضاياهم وحقوقهم]؛ بالبحث والدراسة؛
الحقوق الشرعية والقانونية لهؤلاء الأطفال؛ ويقدم الحلول العملية الكفيلة بتخفيف
هامش الحياة العامة في مجتمعاتهم.
ويسعد المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة؛ أن تقدم هذا الكتاب ضمن سلسلة
الكتب التي تصدرها عن شؤون الطفل؛ هادفة من وراء إصدار هذا الكتاب؛ إلى إبراز
تعاليم الدين الإسلامي الحنيف التي تحث على رعاية الطفل وتحضً على العناية به
وتحفظ له حقوقه الكاملة. والتي تتضْمّن الدعوة إلى التراحم والتعاون؛ وتوجّه نحو تنشئة
حماية للأطفال من التشرد والجنوح. وانقاذاً لهم من السقوط والضياع.
وتقدم المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة الشكر للمؤلفة الأستاذة رجاء ناجي
الدكتور عبدالعزيز بن عثمان التويجري
المدير العام للمنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة
بمقدمة
من هو الطفل: يقال الطقل ويقصد به الناعم الرخص من كل شيء. من ثم فالطفل في
الإنسان هو صغيره الذي لم يشتد عوده. والطفولة هي مرحلة من عمر الإنسان ما بين
وفي العلوم القانونية عادة ما يستعمل لفظ الحَنَثُ كبديل عن الطفل. ومع أن الحدث
يرادف لغويا الشابء فإنه في لغة القانون أخذ معنى اصطلاحيا آخر له علاقة وطيدة
بالجنوح. لذلك بمجرد أن نتلفظ بعبارة الحدث. يتبادر للذهن الطفل أو اليافع المهمل
الطفولة : تلزم الإشارة إلى أن هذه النقطة بالذات ظلت على مدى الأزمان
بحيث أعطي لتعريف الطفولة معنى واسعٌ وغير محدد؛ بشكل لم تُعرّف
معه نهايتها الدقيقة. إلى أن أصدرت هيئة الأمم المتحدة اتفاقية حقوق الطفل المؤرخة في
0 نوفمبر 1989م؛ حيث عرفت الطفل بأنه >كل إنسان لم يتجاوز الثامنة عشرة؛ ما لم
يبلغ الرشد بموجب القانون المطبق عليه<.
من ثم يبدو أن لفظ الطفولة يستوعب كل المراحل التي يقطعها الإنسان منذ ولادته إلى
لكن بنوع من التحفظ. على اعتبار أن بعض الأطفال يخرجون من مرحلة الطفولة قبل
الأوان؛ بمقتضى الترشيد؛ كما أنهم قد لا يخرجون منها لأسباب مختلفة منها تأخر النمو
الفكري والجسدي. ا
المثل السائد: >داخل كل طفل يوجد رجل مستقبل<. ومعنى هذا أن الطفولة تقتضي
خاصة وحماية قانونية زائدة؛ إن أردنا فعلا أن نكوّن نساءً ورجالا صالحين. فحسن تكوين
وتربية الطفل ليست قضية الطفل المعني فحسب وإنما قضية المجتمع الذي سينصهر فيه
و قضية الأمة بكاملها.
لذلك فكل الطاقات الفاعلة ملزمة بأن تسهم في توفير الجو الملائم لحسن تربية
وتكوين النشء وتهييئه لمواجهة الحياة. ويأتي التشريع في المقام الأول. لأنه بدون إجبار
قانوني لا يلتزم الكبار باحترام الواجبات الملقاة على عاتقهم تجاه الصغار.
على رأس انوي التي يجب الاعتراف بها للطفل وحمايتها الحق في أن يعيش
طفولة طبيعية. ٠ في حضن أسرا توفر له الرعاية و الدفء. فالبالغ يمكنه الاستغناء عن
باقي أفراد الأسرة؛ أما الصغير إن أَبْعِدَ عنها تعرض لكل المخاطر المتصورة. المادية
وحتى عهد قريب لم يكن الطفل يشكل موضوعا مؤْرَقَا؛ ولا الناس كانوا يهتمون
بحقوقه المجتمع تجاهه. لكن مع تعقد الحياة الاجتماعية.؛ تبعا لتحولات نمط
الحياة. نا قضايا الطفل وبات يشكل خطرا على نفسه وعلى المجتمع؛ كما أضحى
يؤدي إليها تهميش الأطفال. وزاد الأمر خطورة بالمجتمعات التي لم تمنح الموضوع ما
فكان أن ظهرت في المجتمعات المتقدمة بالخصوص. مدارس علم الإجرام مرتكزة
على قواعد علم حديث يعتمد التجربة والإحصاء ورصد الظواهر. فتأكد أن عدم الاعتناء
بالطفل في ظل المتغيرات الحديثة؛ يحوله إلى مصدر للخطر على نفسه وعلى غيره. وتأكد
أيضا أن الطفل غير السوي يحتاج للعلاج؛ للرعاية. لإعادة التأهيل..
فصدر عن هيد الأمم المتحدة؛ التصريح العالمي لحقوق الطفل في20 نوفمبر
59م الذي ما فتئ أن أبان عن عدم كفايته؛ مما استعجل صياغة اتفاقية حقوق الطفل
في 20 نوفمبر1989م. ثم تخللتهما وتلتهما اتفاقات تهم جوائب خاصة من حقوقه
منها إعلان حقوق الطفل المعاق 1969م؛ تصريح نيويرك 20 ديسمبر1971م بشأن
لاهاي في 29 ماي 1993م بشأن حقوق الطفل المُثبتى...
أما الإسلام فكان أسبق من غيره للعناية بالطفل و تسخير كل الطاقات لتوفير حياة
تدتقيد من الحقوق التي أقرا الشرع؛ ال له ا لو الا
عدالة السماء؟
ما هي أسباب انتشار ظاهرة الأطفال المهمشين وعوامل ارتفاع أعدادهم؟ وما هي
الطفولة المحرومة قَدَرٌ لا يمكن التهرب منه؟
سنحاول الإجابة عن مجمل هذه التساؤلات من خلال الفصول التالية:
* الفصل الأول :من هم الأطفال المهمشون
* الفصل الثاني : الحماية الشرعية والقانونية للأطفال المهمشين
* الفصل الثالث : برامج مناهضة التهميش بالدول الإسلامية : أسباب الفشل
* الفصل الرابع : استراتيجيات كفيلة بتقليص معاناة الأطفال المهمشين
الفصل الأول
من هم الأطفال المهمشون
أولا : الأطفال الأيتام
ثانيا : الأطفال الفقراء
ثالثا : الأطفال المعاقون
رابعا : الأطفال غيرالمتمدرسين
خامسا : الأطفال المشردون
سادسا : الأطفال النازحون
سابعا : الأطفال اللاجئنون
امنا : الأطفال الممزقون عائليا
تاسعا : الأطفال غير الشرعيين
عاشرا : الأطفال المتكفل بهم
حادي عشر : الأطفال المسثولدون من تخصيب تقني
الفصل الأول
من هم الأطفال المهمشون
مهملون اجتماعيا؛ غير مندمجين... يبدو جليا أننا نقصد بدراستنا كل الأطفال من أي سن
كانوا - قبل الرشد يعانون من الحرمان أو عدم الاستقرار النفسي أو العائلي أو الاجتماعي
أو الاقتصادي أو السياسي...
فعلامات التقيُف أو الاندماج تختلف حسب المرحلة التي يجتازها العيية إذ تأخذ
شكل إقبال على الحياة بما يناسبها عادة. كالإقبال على اللعب والتعلم؛ عدم رفض الالتزام
اليومي بالتمدرس. الاستمرار فيه؛ نمو التفكير والذكاء؛ التجاوب؛ تقبل نواميس الحياة
بالمقابل فالتهميش يأخذ شكل حرمان من الطفولة ومن مباهجها؛ حرمان من التربية
والتمدرس أو حرمان من أبسط مقومات الحياة الكريمة. .. ثم يأ عدم التكيف عدة أبعاد
تختلف بحسب السن والجنس... إذْ قد يترجم إلى عزوف عن الدراسة أو رسوب؛ أو
هروب من المدرسة لينتهي الأمر في جل الحالات إلى انقطاع تام عنها؛ وقد يأخذ شكل
عصيان لأوامر الأسرة أو الأشخاص المسؤولين عن الطفل... ويصل التمرد مداه عندما
يوجه نحو النفس أو نحو المجتمع بكامله؛ في صورة تعاط للمخدرات؛ أو عنف ضد
الأطفال الآخرين؛ أو سطو وانضمام لعصابات إجرامية. أو ممارسة الدعارة... ومع التقدم
في السن يتقن الطفل عديدا من وسائل الإجرام فيرشح لأن يصبح جانحا محترفاء إذا لم
يجد منقذا في أي مرحلة من المراحل الصعبة التي يجتازها.
من ثم فإننا سنقوم بحصر فئات الأطفال المهمشين المجتمع نتيجة أسباب مختلفة؛
ليقيننا بأنها الطريقة المثلى للتعريف بالطفل المهمش. ونحدد هذه الفئات فيما يلي: الأطفال
الممزقون عائليا؛ الأطفال غير الشرعيين. المتكفل بهم؛ الأطفال المسثولدون من تخصيب
تقني...(أطفال الأنابيب).
بالأيتام وأعدادهم في تزايد مستمر بسبب ارتفاع أسباب الوفاة التي تمس البالغين
عادة في أفراد عائلته. أما مع تحولات الحياة الاجتماعية. فحصل تضييق للأسرة وتباعد
بين الأقارب؛ حتى أضحى مستحيلا تخيل وجود متكفل بالأيتام من بين أولئك. ا
ومع أن الملاجئ تحاول التخفيف من حجم الأزمة إلا أنها لا تستوعب جميع الأيتام
ولا تشبع كل حاجاتهم؛ كما أنها لا تغطي كافة المناطق. بهذه الطريقة أضحى مصير اليتيم
من مخاطر. من ثم أضحى اليُتم أحد عوامل التهميش والإهمال وربما التشرد.
ال الفقراء
بغيضة ومنتشرة بجل الأقطار الإسلامية. وهي ظاهرة تستوي فيها الدول
التفاوت المهول بين الفئات الاجتماعية قد أفرز شرائج؛ ما تزال في تزايد مستمر؛ من
الفقراء والذين يعيشون تحت عتبة الفقر.
وغني عن البيان أن أكثر المتضررين من الفقر هم الأطفال؛ الذين يحرمون بسببه
من أبسط الحقوق والحماية. فيضطرون عادة إما لمغادرة المدارس مبكرا أو لعدم ولوجها
يضطرون_للتسول والتشرد والجنوح... ولعل هذا يكفي لبيان الأبعاد الاجتماعية -
الاقتصادية للفقر.
ومن الثابت أن معظم الأطفال المحالين على العدالة ينتمون للفئات الاجتماعية الأقل
حظاء؛ وأن الأفعال المرتكبة من قبلهم هي في الغالب أعمال سطو أو سرقات. الغاية منها
الحصول على مصدر للعيش. بدافع الفاقة.
>إن لفظ معاق يدل على كل شخص لا يملك القدرة على أن يضطلع بمفرده بكامل أو
بعض متطلبات حياة شخصية أو اجتماعية طبيعية. وذلك بسبب نقص خلقي أو غيره؛ في
قدرته الجسمية أو الذهنية<. هذا التعريف تبنته هيئة الأمم المتحدة في إعلان 1969م
لحقوق الطفل المعاق (م1).
أسبابها. والنتيجة أن الإعاقة تحد كثيرا من طاقات الطفل وتحول دون اكتمال خلقته أو
اكتمال تكوينه الجسدي أو العقلي أو النفسي. فينتهي به المطاف للتهميش والحرمان من
حظوظ الطفل السوي المتمتع بالظروف الطبيعية للنمو والرفاه و الاندماج والإنتاج....
ابعا : الأطفال غير المتمدرسين
مقارنة مع باقي دول العالم الثالث. وما زال حتى الآن عديد من أطفاله البالغين سن
التمدرس لا يلجون المدارس من الأساس أو يغادرونها بعد وقت وجيز جدا؛ خاصة
بالبوادي والمناطق النائية؛ ولاسيما الإناث.
وإذا كان الكل يتفق على أن المجتمعات الحالية هي بصدد الانتقال من مرحلة الإنتاج
إلى مرحلة العلم والتكنولوجيا؛ فالنتيجة الحتمية أن كل شخص لم يتسلح بالعلم مآله أن
يعيش على هامش الحياة طوال عمره. ومعلوم كذلك أن الطفل المتمدرس يقضي جل
أوقاته محروسا داخل المدرسة؛ مما يحصنه ضد الارتماء في أحضان الشوارع بكل ما
يكتنفها من مخاطر.
ومن المؤكد أيضا أن المدرسة تم للطفل نصيبا من التربية و التعليم يمكنانه من
الفهم والإدراك والاندماج ومواجهة المستقبل؛ ويحميانه من الانحراف نسبيا. كما أن
برامج التعليم عادة ما ثرفق بأنشطة موازية يُفرغ فيها الطفل طاقاته المشحونة. فيتخلص
بهذه الوسيلة من شرور الكبت والضغط النفسي الناتج عن رفض عديد من النواميس أو
عن صراع الأجيال.
التشرد ظاهرة حديثة أفرزها التقدم الصناعي و ما رافقه من تحولات اجتماعية
وتمركز في المدن الكبرى ونشوء أحياء عشوائية وبيئات غير سليمة؛ ومن أزمات
اقتصادية؛ كالبطالة وانخفاض الدخل...
وإذا كانت الدول المتقدمة قد استيقظت مبكرا على ظاهرة التشرد وحاولت معالجتها
بكافة الوسائل. فمشكلة المجتمعات الإسلامية تبدو أكثر خطورة؛ لكونها ما زالت تنظر
للمشرد بلامسؤولية ولا وعي أو إدراك لخطورته على نفسه وعلى المجتمع؛ وبدون تفهم
والطفل المشرد لا تكفي في حقه عبارات >مهمل أو مهمش أو غير سوي أو غير
نفسه ومستقبله؛ وعندما يزداد إتقانه للجنوح والإجرام يتحول إلى خطر على المجتمع
ككل. ومعلوم أن التشرد يرافقه عادة التمرد على الضوابط الاجتماعية والقانونية. وهو
يقترن في الأذهان بالتسول وتعاطي المخدرات والانحراف وتعلم وسائل_ الإجرام
إن التشرد قد يكون من نتائج النزوح أيضا؛ إنما هذا الأخير له آثار أخرى بنفس
الخطورة؛ لذلك يجب إفراد حيز له. والنزوح أو الهجرة قد يكون داخليا؛ انطلاقا من نقطة
معينة؛ في اتجاه نقطة أخرى بحثا عن الاستقرار و الطمأنينة مصدر الرزق» وقد يكون
من دولة لأخرى. وأسبابه مختلفة قد تكون اقتصادية أو اجتماعية أو سياسية:... .
فالمثال التقليدي للأسباب الاقتصادية - الاجتماعية؛ الهجرة من القرى في اتجاه
المدن. وهي الظاهرة التي لا تسلم منها نقطة في العالم؛ إنما خطرها يزداد حدة في الدول
النامية عنه في الدول المتقدمة. ومن المعلوم أن الطفل يعاني أكثر من غيره عند تغيير
وتأخذ مظاهر عدم التكيف شكل عدم الاندماج في الوسط الحضري؛ أو صورة انبهار
أو رفض لنمط الحياة الجديد أو صعوبة تقبل ثقافة المنطقة المضيفة. ويقترن النزوح عادة
بالعجز المادي؛ بسوء المسكن وببؤس العيش. لذلك يبدو أن مختلف أسباب ومظاهر
اللاتكيف تتضافر هنا.
مثال آخر للنزوح ويتمثل في الهجرة نحو الدول المصنعة؛ بحثا عن العمل.
وغني عن البيان أن الاختلاف العقائدي والثقافي والاختلاف في نمط الحياة كثيرا ما يخلق
أما العوامل السياسية فتتلخص عادة في الحروب و التطاحنات الداخلية أو المتعددة
الأطراف. ولن نحتاج لتمحيص كبير كي نستخلص أن الحروب والنعرات العرقية التي
عرفها العالم في السنوات الأخيرة كان معظمها بالجنوب؛ وجزء كبير منها بالدول
الإسلامية أو بها أطراف مسلمة. ويكفي التمثيل بقضية فلسطين؛ جنوب لبنان؛ أزمة
الجزائر الصومال؛ أفغانستان؛ البوسنة والهرسك؛ أزمة ألبانيا؛ أزمة إقليم كشمير
الهندي؛ إقليم كاراباخ... إلى جانب حرب الخليج التي ما زالت آثارها بادية للعيان. وقد
نقلت لنا وسائل الإعلام صورا مفجعة عن نزوح ملايين الأبرياء من الأطفال والعاجزين»
بحثا عن الأمن أو وسيلة للعيش. ناهيك عما خلفته وتخلفه من الأيتام والمشردين
وفي جميع الحالات وأيا كان سبب الهجرة أو النزوح الجماعي؛ فالذي يؤدي أكبر
الثمن هو الطفل. يؤديه على شكل اقتلاع له من وسطه المألوف وحرمان من الاستقرار
وحَمله نحو اللا تكيف مع الثقافة الجديدة. ويؤديه أيضا في صورة حرمان من القوت
سابعا : الأطفال ١|
هناك معاناة مشتركة بين هذه الفئة والسابقة؛ وهي الحرمان من الاستقرار. إنما الذي
يميز هذه هو الحرمان حتى من حق المواطنة. بحيث في ظل ظروف سياسية بالمقام
الأول واجتماعية؛ تضطر فئات كبيرة من سكان دول الجنوب للنزوح عن موطنهم الأصلي
ومغادرة أوطانهم بحثا عن مكان آمن؛ وفرارا من حروب عرقية أو أهلية أو نزاعات
داخلية؛ أو إجلاء لهم لطوارىء محتملة... وغير ذلك من الأسباب والعوامل التي تجبر
المواطنين على اللجوء إلى الدول المجاورة أو الدول الأخرى.
ومعلوم أن العالم يعج بملايين اللاجئين؛ جلهم من الجنوب. ومعلوم هنا أيضا أن أكبر
المتضررين من اللجوء السياسي أو غيره هم الأطفال. الذين - بحكم تغيير الإقامة يجدون
أنفسهم فجأة في حضن ثقافة غريبة عنهم يصعب عليهم الت ايش معها. كما أن ظروف
اللجوء عادة ما تكون مزرية؛ غير موفرة لأبسط شروط الحياة الكريمة. فكيف يمكن
لطفولة مثل هذه ألا تكون محرومة اقتصاديا؛ لامتكيفة اجتماعيا؛ غير مؤهلة للمواطنة
أطفال الممزقون عائليا
تمزق العلاقات الأسرية قد يكون نتيجة وفاة أحد الأبوين أو كليهما؛ أو نتيجة انفصام
الزوجية بسبب طلاق أو بسبب الهجر والإيلاء أو استحكام الخلاف بين الزوجين. وفي
جميع الحالات فالظروف المعيشية تتحول غالبا إلى جحيم تذوب فيه علاقات المودة
والتعاطف والتكامل والاستقرار التي من أجلها شرع الزواج. وبالتالي فحياة الطفل التي
ميزتها الطبيعية بالبراءة والصفاء تتحول إلى عذاب؛ إلى حرمان من أبسط الحقوق»
فمعلوم أن نسب الطلاق والانفصال والخلافات آخذة في التفاقم في المجتمعات
والطفل في الماضي كان يجد السند والدعم لدى أفراد أسرته ولدى المحسنين في
المجتمع.؛ أما مع تعقد الحياة الاجتماعية وضنك العيش. وتغلب الحياة المادية على الحياة
الروحية؛ فأضحى الطفل الممزق عائليا لا يجد له من ملاذ سوى الشارع؛ يحتضنه. يتكفل
به ليتعلم في ثناياه كل السلوكات الخطيرة والمهذدة لطفولته البريئة ولمستقبله؛ والمهدة
الانفتاح اللامحدود الذي يصل أحيانا حد الانحلال؛ وتزايد جرائم العرض والاغتصاب...
وزاد الأمر حدة قمع الأزمات الاقتصادية وتفاش العلئيةة عندما اضطرت عديد من الفتيات
وبديهي أن الإسلام يعتبر الزواج المجال الشرعي للتناسل. ويلحق بالزواج الإقرار
بالبنوة؛ كوسيلة لإلحاق النسبء ٠ إذا توفرت شروطه و لم يكذبه عقل أو عادة؛ كما سنبين
الحق في الانتساب لأسرة؛ فالطفل غير الشرعي يأتي للدنيا محروما حتى من هذا الحق؛
هؤلاء الأطفال بالأماكن العمومية؛ أو المستشفيات معروف لدى الجميع بما يغنينا عن
إنما النتيجة الحتمية؛ مهما اختلفت الظروف. أن الطفل غير الشرعي ينمو عادة
سوى الشارع؛ يتعلم فيه كيف يتمرد على ١ جم كل ذلك إلى سلوك مناف للقيم
المتعارّف عليها. ويلتحق بآلاف الأطفال الذين تجمعهم ظروف واحدة؛ هي الإهمال من
طرف مجتمعهم.
عاشرا : الأطفال المتكفل المتبنون
إن لائحة الأطفال المعددة أعلاه قد يجمعها أحيانا قاسم مشترك وهو الإبعاد عن
الأسرة الحقيقية. والمحظوظون منهم قد يجدون أسرة أخرى تتكفل بهم. إنما السؤال هو
هل فد بتلمتع في المولد المتاتتار5: ارال يت لو الفعل كل كا يححدق الطفل قلا
الظروف الطبيعية؟.
الجواب السطحي سيكون هو الإيجاب. أما التحليل المعمق فيبين أن عديدا من الأطفال
الطفل >المتبنى< عادة لا يحمل اسم الأسرة التي تكفلت به. وعندما يبدأ في إدراك بعض
>ينتسب< لها. ولا يخفى مقدار ما يثيره ذلك من صدمات. تهدد مستقبل الطفل المتبثٌ
ناهيك عن معاناته من نظرة الاحتقار التي ينظر بها المجتمع للطفل المتبثى عموما؛ معتبرا
فاستحدث وسائل أخرى للاستيلاد 0
ومعلوم أن الدعم الطبي للإنجاب ليس محرما شرعا؛ لكن بشرط ألا يؤدي إلى حشر
طفل غريب في أسرة ليست له؛ وبالتالي خلط الأنساب.
فكثيرا ما يكون أحد الزوجين عاجزاً عن إفراز النطف اللازمة للإنجاب فيُستنجَّد بنطف
مانح أجنبي. وإذا كانت الدول الغربية عرفت وباتساع عادة التبرع بالنطف.
في الاتساع؛ مما يرشج أعداد الأطفال المتأتين ن من مني رجل غريب أو بويضة امرأة
ية أو رحم مستعار؛ للارتفاع. وعندها ستصبح الظاهرة غير مقدور عليها. ومن ثم
فأنسب حل هو التصدي لها قبل أن تستفحل فيستعصى الداء ويعز الدواء.
والطفل المستولد من نطف مانح أجنبي يُلِحَقِ بالطفل غير الشرعي. وسواء أنكرته
الأسرة التي تحتضنه أم لا؛ فإنه معرض لمعرفة نسبه الحقيقي. وهو أمر لا يخلو من
أزمات لا تختلف في شيء عن أزمات الطفل غير الشرعي. حيث يصعب التنبؤ بنوعية
طبيعي جدا؛ بعد الذي أوردناه؛ أن نستخلص أن كل حرمان يتعرض له الطفل يعرضه
للتهميش؛ سواء كان حرمانا من الحقوق المادية أو المعنوية: فالحرمان من الحاضن
يهدده؛ والحرمان من الطاقات الجسدية والعقلية و الحسية أيضا يهمشه.؛ وكذلك الشأن
بالنسبة للحرمان من الهوية أو النسب أو الأسرة أو الاستقرار أوالموطن...
أما وقد حددنا من يكون الطفل المهمش. فيحق لنا أن نتساءل عن الحماية التي
يضمنها له الشرع الإسلامي والقوانين الوضعية؛ وهو ما سنحاول الإجابة عنه في الفصل
الموالي :
الهوامش :
وأنشئت من أجلها هيآت تحاول إحداث تقارب فكري بينها وبين المجتمعات الأصلية أو
القانونية لعودة وإعادة اندماج العمال المهاجرين المغاربة: رسالة ماجستير؛ كلية
الحقوق؛ الرباط 95-1996.
(2) للتوسع يمكن الرجوع إلى : أحمد أجوييد: جريمة الزنى في الشريعة الإسلامية
والقانون المغربي. أطروحة؛ كلية الحقوق. الرباط 85-1986.